قوة الثقة بالنفس
تعتبر الثقة بالنفس واحدة من أهم المهارات التي يمكن تعلمها واكتسابها، وتعد الفيصل بين شخص نقول عنه ذو شخصية قوية وآخر ذو شخصية ضعيفة، إذن بدونها لا يمكن للمرء أن ينجز شيئا بغض النظر عن علمه ومعرفته، لأجل هذا سنحاول في هذه المقالة، أن نجيب عن مجموعة من الأسئلة متعلقة بموضوع الثقة بالنفس من قبيل: ماهي الثقة بالنفس؟، ما الفرق بين الثقة بالنفس والغرور؟ ما أسباب ضعف الثقة بالنفس؟ ما الأساليب العملية لتعزيز الثقة بالنفس؟
1-ما هي الثقة بالنفس؟
سنحاول في البداية، أن نقدم تعريفا بسيطا للثقة بالنفس حتى تتضح الصورة أكثر، ومعلوم أن الثقة بالنفس هي عماد الشخصية الناجحة، والثقة بالنفس في اللغة هي مصدر وثِق -بكسر الثاء-، ويقال هو جدير بالثقة: من يُعْتَمَد عليه ويؤتمن به، بمعنى الإعتماد والإيمان(1)، وفي المعنى النفسي هي أن تؤمن بقدراتك و تحسن ظنك بالله عز وجل وتتوقع نتائج إيجابية، بمعنى آخر، هي الإعتقاد بقدرة النفس والإيمان بقوتها على إتمام أمر ما، والإيمان بالذات يبدأ بتقبل إيجابياتها وسلبياتها، حسناتها وهفواتها، بمعنى أدق، أن تعترف بأن لك نقاط ضعف يمكن تجاوزها وتقليصها، ولك نقاط قوة يمكن تقويتها وتعزيزها بالتدريب المستمر.
2-الفرق بين الثقة بالنفس والغرور:
الكثير من الناس يخلطون بين الثقة بالنفس والغرور، فتجد شخصا مغرورا ويعتقد هو في قرارات نفسه أنه واثق من نفسه، لهذا ارتأينا أن نقدم فرقا جوهريا بين الثقة بالنفس والغرور لكي نبين للقراء الكرام الفرق بينهما، وكما يقال الشيء بالشيء يذكر، فقد شاهدت برنامح تحدي القراءة العربي لهذا العام، فرأيت شبابا متحمسين، ويظهرون أنهم واثقون من أنفسهم، فتجد بعضهم لا يكثرت لملاحظات لجنة التحكيم، ويعتقدون أنهم يحسنون صنعا، بيد أنهم ضحية كتب كبسولات النجاح السريعة، لهذا ثمة فرق جوهري بين الثقة بالنفس والغرور، فالثقة بالنفس هي تقدير القدرات، أما الغرور هو تعظيم القدرات، بمعنى أن بين الثقة بالنفس والغرور خيط رفيع، هو نظرتنا لقدراتنا، إذ ينبغي ألا تكون نظرة دونية تحقيرية فنسقط في حالة ضعف الثقة بالنفس، أو نظرة مثالية عمياء فنسقط في حالة الغرور، إذن فينبغي التوسط في شتى الأمور، امتثالا لقوله تعالى: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا”(2)، إذن لابد من التوسط والإعتدال في ردود أفعالنا مع ما يختلجنا من مشاعر وأحاسيس وأفكار، بتعبير آخر، الثقة بالنفس حالة وسط بين حالة ضعف الثقة بالنفس وحالة الغرور، أي لا تفريط ولا إفراط.
3-أسباب ضعف الثقة بالنفس:
تتعدد أسباب ضعف الثقة بالنفس منها ما هو مرتبط بتنشئة الإنسان، أي بتربية أبويه له والمدرسة و محيطه السوسيوثقافي، ومنها ما هو مرتبط بشخصية الإنسان وموقفه الذهني من الحياة، فالثقة بالنفس لها علاقة مباشرة بالبيئة الأولى التي يولد فيها الطفل، ويتلقى فيها عدد كبير من التوجيهات التي قد تِؤثر إيجابا أو سلبا في شخصية الطفل، ومن بين الممارسات السلبية التي يقوم بها الآباء دون قصد منهم، هي التشجيع المبالغ فيه لمواهب الطفل، أو العكس تحقيرها و تبخيسها، والقيام بالمقارنة بينه وبين أقرانه، مثلا أن تقول لابنك أنت لا تحسن شيئا أو فلان أفضل منك أو لا تصلح لأي شيء…مثل هذه السلوكيات تؤدي إلى اهتزاز ثقة الطفل بنفسه، ويقول في نفسه مادام أبي وأمي يقولون عني هذا الشيء إذن فأنا كذلك، لأن الطفل في بداية حياته، يعتمد على والديه في كل شيء إلى أن يستقل بنفسه ويبلغ مرحلة البلوغ النفسي. كذلك للمدرسة تأثير إيجابي وسلبي على ثقة التلميذ بنفسه، من خلال: تصرفات المدرسين، أساليب التدريس، المناهج التعليمية، و للمناخ السوسيو الثقافي كذلك وزنه في هذه المعادلة، وكما يقال: الإنسان ابن بيئته(3)، فثمة قانون يدعى قانون الخمسة للكاتب الأمريكي الشهير بريان تريسي(4)، صاحب كتاب علم نفس الإنجاز، مفاده أن: الفرد هو المحصلة أو المتوسط لخمسة أشخاص الذين يقضي معهم أغلب أوقاته، وما يشترك معهم من أفكار ومشاعر وخطط…، وهنالك سبب آخر متعلق بالفرد وشخصيته وبموقفه الذهني من الحياة، بمعنى آخر، كيف ينظر الفرد لنفسه إيجابي أم سلبي؟، كيف هي نظرته للناس؟، وكيف ينظر للعالم من حوله وحواليه؟، كل هذه العناصر تؤثر سلبا أو إيجابا في ثقة الفرد بنفسه.
4-الأساليب العملية لتعزيز الثقة بالنفس:
ثمة أساليب كثيرة لتعزيز الثقة بالنفس، من بينها خالط الأشخاص الإيجابيين، فالناس تتأثر بمن تصاحب، عملا بالحديث النبوي الشريف: ” الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”(5)، أعد قائمة بالإيجابيات والسلبيات، فمثلا كان بنيامين فرانكلين وهو أحد قادة أمريكا الحكماء قبل اتخاذه للقرارات الحاسمة، يأخذ ورقة وقلم، ويقسم الورقة إلى قسمين، القسم الأول للحجج التي تؤيد الفكرة، والقسم الثاني للحجج التي تعارض الفكرة، بهذه الطريقة لم يكن يوضح الأمور فحسب بل كان يرسم الطريق السليم لإنجاز تلك الفكرة(6)، حاول أن تردد تأكيدات إيجابية من قبيل: أنا واثق من نفسي، أنا إنسان متميز…قبل النوم وعند الإستيقاظ لتبرمج عقلك الباطن على الإيمان بقدراتك، فالعقل الباطن لا يفرق بين الحقيقة والخيال، لذا في كل مرة، حاور بنفسك بكلام إيجابي وعزز ذلك بالأفعال لكي تتمكن من تعزيز ثقتك بنفسك.
ياسين حكان
كاتب وخبير في علم الاجتماع
……………………………………………………
هوامش :
1-معجم المعاني الجامع، معجم عربي عربي في معنى ثقة.
2-سورة البقرة، الآية:143
3-ابن خلدون، كتابه المشهور المقدمة.
4-بريان تريسي: كاتب أمريكي شهير، متحدث تحفيزي.
5-حديث أبي هريرة، رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح.
6-د.إبراهيم الفقي، الثقة والإعتزاز بالنفس، فرصي free، 2007، ص :25 (بتصرف).