الأسرة وتنمية الذكاء العاطفي
ياسين حكان
كاتب وباحث في علم الاجتماع
يعد الزواج من أسمى العلاقات الإنسانية بين الأفراد وفي مختلف الحضارات، إذ هو ميثاق تراض وترابط بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان وبناء أسرة مصداقا لقوله تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (سورة الروم الآية: 21)، وبتعبير آخر، هي علاقة شراكة بين رجل وامرأة، بغرض تكوين أسرة حيث إنها هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع وتماسكه؛ أي أن كلما تقوت الأسرة ألا تقوى المجتمع.
وكنتيجة لذلك، في ظل ما خلفته جائحة كورونا من تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية، فلا بد من التخفيف من آثارها السلبية على الأزواج خصوصا ما نعيشه اليوم من تدني القيم وغياب تقديس الأسرة والعائلة كما في الماضي، مع بروز أنماط وسلوكيات شاذه تفسد الأسرة، بالموازاة مع انتشار قيم الفردانية والنزوع نحو الذات والانغلاق، وما لهذه الأمور من تأثيرات سلبية على العلاقات الزوجية وما يصاحبها من عنف زواجي، لذلك ارتأينا أن نقدم في هذه المقالة، مجموعة من الخطوات العملية لتعزيز وتنمية العلاقات الزوجية.
يعتبر الذكاء العاطفي من بين القدرات الحياتية الأساسية التي يمكن تعلمها وتطويرها وبالتالي استخدامها في مواجهة التحديات وحل المشكلات التي تعترض طريقنا في كل مناحي الحياة، وبطبيعة الحال يكتسي الذكاء العاطفي أهمية بالغة لأنه يمكننا من تعميق صلتنا بذواتنا وفهم الآخر المُختلِف عنّا، وأيضا هو عامل مساعد على تكوين علاقات ناجحة وتنظيمها وإدارتها بشكل فعال، كما يمكننا من اجتياز الكثير من العقبات التي تحُدُّ من تطورنا ونمونا خصوصا فيما يتعلق بالمشاعر السلبية، إذ من خلاله يتم التخلص منها، ومعلوم أن تعلم المهارات المرتبطة بالذكاء العاطفي يساعد على زيادة وتحسين دافعتينا ورغبتنا في الحياة، بالإضافة إلى أنه يمكننا من التحكم في انفعالاتنا وعواطفنا، وكنتيجة لذلك إقامة علاقات إيجابية مع أبنائنا، ومن مزاياه كذلك، أننا نصبح قادرين على زيادة التحفيز الذاتي لدينا، بمعنى آخر أن التمكن من مهارات الذكاء العاطفي يقوي من مرجعيتنا الداخلية، أي أن سلوك الفرد ينبع من داخله، ما يسمى بالمرجعية الداخلية في مقابل المرجعية الخارجية التي تتكون بالأساس من المؤثرات الخارجية كالأسرة والأصحاب والمدرسة والمعلمين، بهذا المعنى يُسهم الذكاء العاطفي في تقوية المرجعية الداخلية للفرد، أي أن قراراته وأحكامه تصدر منه لا من الآخرين.
هذه المقالة، تقدم مجموعة من التوجيهات والنصائح العملية في كيفية تنمية الذكاء العاطفي بين الأزواج، وقبل الخوض في هذه التوجيهات الهامة، لا بد من تقديم تعريف بسيط للذكاء العاطفي ومن ثم ذكر سر هذا الاهتمام المبالغ فيه بهذا النوع من الذكاء.
يمكن تعريف الذكاء العاطفي على أنه القدرة على إدراك وإدارة المشاعر في الشخص نفسه وفي الآخرين، بمعنى أن الذكاء العاطفي يتكون من أربعة عناصر؛ وهي الوعي الذاتي، وإدارة الذات، والوعي بالآخر، وفي الأخير إدارة العلاقات، وحتى نكون أكثر وضوحا ودقة، فلابد من شرح هذه المكونات الأربع، فالوعي الذاتي معناه معرفة عواطفك الداخلية، أما الثاني إدارة الذات فهو القدرة على التحكم في عواطفك، والعنصر الثالث هو الوعي بالغير، أي فهم كيف يشعر الآخرون من وجهة نظرهم هم لا من وجهة نظرك أنت، أما العنصر الرابع من عناصر الذكاء العاطفي هو إدارة العلاقات أي القدرة على التحكم والتأثير في مشاعر الآخرين بهدف توجيهها في اتجاه تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة.
أما فيما يتعلق بدواعي الاهتمام بالذكاء العاطفي، حيث إن في تسعينيات القرن الماضي، ظهر ما يسمى ب “نظرية الذكاءات المتعددة” التي تَجزِمُ بتعدد الذكاءات لدى الفرد واختلافها، وتنفِي كذلك الاعتقاد السائد بوجود ذكاء واحد عند الفرد، وهو الذكاء الرياضي المنطقي، والمتعلق أساسا بالقدرة على استرجاع المعلومات ومعالجتها وحل أعقد المسائل الرياضية في أسرع وقت ممكن.
وأول من أسهمت بحوثه العلمية في بروز نظرية الذكاءات المتعددة هو الأمريكي غاردنر، الذي أكد بأن الفرد يمتلك سبع ذكاءات مختلفة ومتنوعة ولم يكن من بينها الذكاء العاطفي، واستمرت الدراسات والبحوث في مجال الذكاء البشري إلى أن أتى دانيال فولمان، والذي أضاف الذكاء العاطفي إلى سلسلة الذكاءات التي حددها غاردنر في السابق، وتوصل إلى نتيجة أن للإنسان ذكاءات لم تكتشف بعدا، بل يمكن البحث عنها وترك قائمة الذكاءات مفتوحة، أما بخصوص سر هذا الاهتمام المبالغ فيه بالذكاء العاطفي، فقد توصلت الدراسات والأبحاث في هذا الميدان، أن 75 % من نجاح الفرد يعود إلى الكفاءات الوجدانية، وال 25 % المتبقية تَعْزُو إلى التحصيل العلمي والتقني، أي ذكاء المعلومات والحساب.
أما بخصوص التوجيهات التي يمكن تقديمها للزوجين في هذا الصدد، فهي كالتالي:
أولا: إنه وجب عدم الإكثار من الشكوى وتحميل الآخر- أقصد الشريك (ة)- مسؤولية فشل العلاقة، إذ يجب تحميل المسؤولية للطرفين معا سواء نجحت العلاقة أم فشلت؛
ثانيا: يُستحسن أن يبدأ الزوج أو الزوجة عند الحديث عن المشكلات؛ عن ذكر سلبياته قبل سلبيات الطرف الآخر، وألا يُحَمِّلَ الطرف الثاني أكثر مما لا يستطيع؛
ثالثا: وجب تقدير مشاعر الطرف الآخر في أغلب الأحيان، حتى وإن أخطأ في تدبير تصرف معين صدر من أحدهما، إذ لابد من اعتماد التغافل كمبدأ مهم في الحياة الزوجية حيث يُنْصَحُ بِغَضِّ الطرف عن بعض الأخطاء؛
رابعا: كن مباشرا ومحددا، أي كن واضحا وصريحا في الإفصاح والتعبير عن مشاعرك دون حاجة إلى التصنع ولا إلي تبخس المشاعر.
خامسا: حاول دائما ألا تراكم المشاعر السلبية، إذ إن بعض الناس يكبت مشاعره باستمرار، وهذا في حد ذاته مشكل، ولا يبحث عن طرق فعالة لإخراجها في صورة مقبولة ومتماشية مع عادات وتقاليد المجتمع.